( الرسالة) تحاور مساعد رئيس المؤتمـر الإسلامي الإرتـري الدكتور حسن محمد سـلمان :

 ( الرسالة) تحاور مساعد رئيس المؤتمـر الإسلامي الإرتـري الدكتور حسن محمد سـلمان :

تقدمت أسرة تحر ير مجلة (الرسالة ) التي يصدرها مكتب العلاقات الخارجية والإعلام بجملة من الأسئلة إلى الدكتور حسن محمد سلمان مساعد رئيس المؤتمر الإسلامي الإرتري حول عملية السلام الجارية بين إثيوبيا وإرتريا ودول المنطقة ، لاستجلاء الوضع ، والتعرف على خلفيات مبادرة السلام وحقيقة المشكلة ومواقف البلدين ، وضمانات نجاح مبادرة السلام واسشراف مآلاتها .

-  ما هي البنود التي تضمنتها اتفاقية الجزائر ؟ وتضمنتها احكام اللجنة الدولية لترسيم الحدود ؟

اتفاقية الجزائر، اتفاقية عقدت بين حكومات إرتريا وإثيوپيا، في 12 ديسمبر 2000، في مدينة الجزائر ، لإنهاء الحرب الإرترية الإثيوپية، والتي  نشبت بين البلدين من عام 1998 حتى 2000. وقد نصت الاتفاقية على وقف الحرب الفوري بين البلدين، وعدم اللجوء الى القوة من قبل الطرفين، وتشكيل مفوضية ترسيم الحدود من خمسة قضاة دوليين لتعيين وترسيم الحدود بين إرتريا وإثيوپيا. وتتولى مفوضية ترسيم الحدود عملية تعيين وترسيم الحدود بموجب المعاهدات الاستعمارية لعام 1900 و1902 و1908 والقانون الدولي، ولا يحق ان تتخذ قراراتها على اساس التراضي. ويعتبر قرار مفوضية ترسيم الحدود نهائيا وملزما.

ونصت المادة (14- أ) من ” اتفاقية وقف الاعمال العدائية ” بأن مجلس الأمن يمكنه اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد أحد البلدين إذا ما خرق اتفاق الجزائر، وذلك بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ونصت الاتفاقية على الإفراج وإعادة جميع الأسرى وجميع السجناء المعتقلين، والمعاملة الإنسانية لسجناء الدولتين.

وفي إبريل من عام 2002، تم تشكيل لجنة من خمسة أعضاء في لاهاي لترسيم الحدود بين البلدين، صادق على أعضائها كل من الحكومتين الإثيوبية والإريترية، حيث أصدرت اللجنة قرارها بترسيم الحدود بشكل سلمي ودائم.

وكانت نتائج لجنة ترسيم الحدود واضحة، ففي حين تم إلحاق بعض المناطق المتنازع عليها بإثيوبيا، فإن منطقة بادمي التي كانت تعتبر بمثابة نقطة ساخنة في الحرب، تم ضمها إلى إرتريا. وخلصت اللجنة إلى أن إرتريا هي التي بدأت بالأعمال العدائية ـ وهو الادعاء الذي تنفيه أسمرا بقوة ـ ولكن في ما يتعلق بمطالبتها ببادمي فإن إرتريا على حق.

 

-  ما الذي حدث بعد توقيع الاتفاقية والتحكيم ؟ هل التزم الطرفان بتنفيذها ؟ او ما الذي نفذ منها وما لم ينفذ ؟

بعد الاتفاق بدأت لجان ترسيم الحدود بعملها ، ولكن وقبل إكمال عملها طالبت الحكومة الإثيوبية بضرورة الحوار والتفاهم حول بعض القضايا الفنية والعملية والتداخل في المواقع مما يسبب مشكلات شعبية، وكانت هذه الحجة سببا أساسيا في تعليق ترسيم الحدود لعقدين من الزمان ، وواضح جدا أن المسألة حصل فيها تسييس للموقف ، وظل النظامان في حالة توتر مستمر ودعم للمعارضة من الطرفين مع الفارق في الجدية بينهما ، وبالتالي لم تنفذ الاتفاقية على الأرض عمليا بالرغم من التزام الطرفين بها نظريا.

 

-  في رأيك من يتحمل مسئولية عدم التنفيذ او تعطيل التنفيذ ؟ وما هي الأسباب التي دعت كل طرف لموقفه الذي أشرت اليه ؟

الجهة التي تتحمل تعطيل تنفيذ الاتفاقية من الناحية العملية هي الحكومة الإثيوبية وبتواطئ دولي ، وخاصة الإدارة الأمريكية ، وتجاهل تام من مجلس الأمن طوال فترة تجميد ترسيم الحدود بين البلدين. مع ملاحظة أن الأمر عند قيادة البلدين تحول لقضية سياسية وليست قانونية ، وهذا ما نلاحظه حاليا حيث بدأ أفورقي خطوات التعاون والتطبيع مع القيادة الإثيوبية قبل ترسيم الحدود وانسحاب الجيش الإثيوبي .

 

-  هل هناك أي مساع أخرى بذلت لإيقاف التوتر الحدودي بين البلدين وإعادة السلام بينهما ؟ سواء من جهات دولية أو محلية ؟

المساعي لم تتوقف بين البلدين طوال العقدين الماضيين سواء الدول الإفريقية والاتحاد الأفريقي ، أو الجانب الأوربي والأمريكي ، أو كان ذلك من خلال مؤسسات دينية كنسية سعت كثيرا لإيجاد حل للصراع بين البلدين ، ولكن كان التعنت الإرتري وتمسكه بحرفية الاتفاق وضرورة تنفيذه أولا لم يساهم في نجاح المبادرات ، وقد شهدت السنوات الثلاث الأخيرة جهودا غير معلنة لتحقيق السلام بين البلدين بتشجيع دولي وإقليمي ، كانت نهايته الاتفاق الأخير بين البلدين.

 

-  هل كان لهذه المساعي أثر في مبادرة أبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي لإنهاء حالة الحرب وإعلان السلام وإعادة العلاقة بين البلدين ؟

الجهود والمبادرات السابقة لم تتوفر لها الأرضية المناسبة سياسيا إلا بمجي أبي أحمد وقيادة الأورمو الجديدة وتراجع التقراي ، وهو أمر مهم لأفورقي حيث يرى بأنه سياسيا انتصر على خصومه التقراي ، وأن الصراع انتهى لصالحه ، وبالتالي بادر وسارع بقبول الإعلان الإثيوبي بقبول اتفاقية الجزائر ، كما أن القوى الدولية رأت الفرصة مناسبة لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة وتحقيق السلام بين البلدين لاعتبارات إقليمية ودولية.

-  ما الدوافع التي جعلت أبي أحمد يبادر بقبوله الكامل باتفاقية الجزائر وأحكام اللجنة الدولية دون أن يجري حوارات مع النظام الارتري في هذا الشأن ؟

بالنسبة للقيادة الإثيوبية الجديدة قبلت باتفاقية الجزائر لأنها كانت بحاجة ماسة لتحقيق السلام مع كافة دول الجوار ، وذلك للتفرغ للتنمية والتي لا تحتمل الحروب ، وإرتريا تشكل تهديدا مباشرا في ذلك من خلال دعمها للمعارضة الإثيوبية ، كما أن صراعات الداخل الإثيوبي كانت تحتاج لتهدئة جبهات الخارج وبناء تحالفات جديدة ، وهو ما وجده أبي أحمد في القبول بالسلام مع إرتريا والذين من خلالهم استطاع محاصرة التقراي. 

 

-  منذ إعلان السلام مؤخرا وترحيب النظام الإرتري به ، أين هو الموقف الآن من عملية تنفيذ السلام التي أمن عليها الطرفان ؟ وما الذي حدث بشأن ذلك ؟

كما ذكرت الخلاف بين البلدين تحول من خلاف حدودي قانوني إلى خلاف سياسي بين التقراي والتجرنية في ارتريا، وكل طرف يريد إسقاط الطرف الآخر ، ولما جاءت القيادة الجديدة في إثيوبيا وأعلنت قبول اتفاقية الجزائر سارع النظام الإرتري مباشرة بقبول ذلك ، وتم تبادل الزيارات وتوقيع الاتفاقيات محليا واقليميا ، كما تم فتح المعابر الحدودية بين البلدين وبدأت الرحلات البرية والجوية ، كل ذلك يتم دون أن يحصل عملية ترسيم الحدود التي ظل يتمسك بها النظام الإرتري خلال العقدين الماضيين.

 

-  تعدت عملية السلام التي بدأها أبي أحمد مع إرتريا الى دول منطقة القرن الإفريقي ، لتنتظم فيها الصومال وجيبوتي في فترة وجيزة ، كيف تقرأ هدا الحراك وما وراءه من تغيرات وسيناريوهات متوقعة ؟

التغيرات الجارية كما لها أبعادا محلية على صعيد البلدين ، فإنها كذلك لها أبعادا إقليمية ودولية ، فعلى الصعيد الإقليمي بدأ يتشكل محور إقليمي تلعب فيه كل من السعودية والإمارات دورا بارزا ، وتسعى لكسب البلدين ودخولهما في هذا المحور ، في مقابل المحاور الأخرى، وأما دوليا فإن أمريكا تستعيد نفوذها في المنطقة بشكل أكبر ومن خلال حلفائها في المنطقة ، وربما كان ذلك على حساب النفوذ الصيني المتزايد في أفريقيا ، وبالرغم من كل ذلك يصعب الجزم بمآلات الأمور في المنطقة ؛ لأن السلام الحقيقي ينبع من الشعوب وتفاعلاتها ، كما ينبع من حكومات معبرة عن شعوبها حقيقة ، وليس من أنظمة دكتاتورية مستبدة لا تبالي بالسلام الداخلي ، كحال النظام الإرتري كما أن سياسات المحاور الإقليمية والدولية مدمرة للمنطقة ، وستجعل منها ساحة صراع يصعب معها تحقيق النهضة والتنمية.

 

-  هل هناك عوائق حقيقية تشكل صعوبات أمام تحقيق السلام بين البلدين إرتريا وإثيوبيا وعلى مستوى منطقة القرن الإفريقي ؟ وما المطلوب لتجاوزها ؟

العوائق كثيرة أمام تحقيق السلام المستدام ، ومن خلال ما ذكرته من أبعاد محلية ودولية يتضح أن الأمر ليس بهذه البساطة ، فهناك تغييب تام للشعب الإرتري فيما يجري من اتفاقيات ، بل يسعى النظام للاستفادة من السلام في بقائه ووجوده على السلطة دون الإقدام على استحقاقات السلام الداخلية ، كما أن سياسة المحاور لن تنتهي بانتصار طرف وهزيمة طرف آخر ، بل سيكون لها تداعياتها على المنطقة ، وبجانب ذلك فإن دولة إثيوبيا وقومياتها المختلفة وصراعاتها الداخلية هو أحد عقبات السلام الجاري ؛ لأن هناك قوى تعتبر نفسها متضررة مما يجري وبالتالي ستعمل على إعاقته وتعطيله.

-  ما هو موقف المعارضة الإرترية من قصة السلام هذه ؟ وما هي المصالح التي تترتب عليها للشعب الإرتري والدولة الإرترية ؟

من الناحية المبدئية ليس هناك في المعارضة من يرفض السلام وإيقاف الحرب ، ولكن من الناحية العملية فإن المعارضة تنظر للسلام بنوع من التحفظ ، باعتبار النظام ليس منتخبا ومفوضا من الشعب الإرتري للقيام بتوقيع اتفاقيات تتعلق بالقضايا الوطنية الكبرى في البلاد ، وبالتالي فموقف المعارضة مما يجري هو الترحيب الحذر .

وأما الشعب الإرتري فإن مصلحته الحقيقية هو زوال النظام ، وبناء نظام جديد يعبر عن تطلعاته وخياراته التي ضحى من أجلها ، وحينها يكون قادرا على تحقيق السلام مع جيرانه ومن خلال مؤسسات وطنية منتخبة.

وأما النظام فهو بلا شك مستفيد من هذه التحولات الجارية ؛ لأنه كان معزولا إقليميا ودوليا ، وهو الآن يريد تسويق نفسه بأنه جزء من منظومة المنطقة التي ترعى وتستوعب مصالح الكبار ، كما أنه سيستفيد ماليا من الوضع الجاري سواء عبر تشغيل الموانيء والتجارة البينية ، أو من خلال القروض والهبات التي تمنحها له الدول الإقليمية .

والله الموفق .....

 

 
30-09-2018
Print this page.
http://www.al-massar.com