تقرير الأزمات الدولية: (1) إريتريا: سيناريوهات التغيير المستقبلي

تقرير الأزمات الدولية: (1)

إريتريا: سيناريوهات التغيير المستقبلي

11/ 04/ 2013

ياسين محمد عبد الله 

مدخل:

أصدرت مجموعة الأزمات الدولية1 تقريراً عن الأوضاع في إريتريا بتاريخ 28 مارس الماضي، بعنوان: إريتريا: سيناريوهات التغيير المستقبلي. احتوى التقرير على توصيات، مقدمة وأربعة أقسام. رأيت أن أقدم هذا العرض والتحليل لما يتمتع به التقرير من أهمية تنبع من طبيعة الموضوع المتناول، القدرات البحثية وشبكة العلاقات الواسعة والتأثير الذي تتمتع به المجموعة التي أعدت التقرير ولافتقارنا للمعلومات الكافية والموثقة لما يجري في إريتريا بسبب العزلة والتعتيم اللذين يفرضهما النظام إريتريا، وأخيراً لاعتقادي أن قراءة متأنية لهذا التقرير قد تساعد على توسيع أفق الجدل حول مسألة التغيير في إريتريا بحيث يستصحب عوامل داخلية وإقليمية دولية غائبة ويتحسب لمآلات المستقبل.

تقول مجموعة الأزمات أنها تقدمت في إطار تحضيرها لهذا التقرير بعدة طلبات للحصول على إذن الحكومة الإريترية لمقابلة القيادة وأكبر قدر من المواطنين الذين يمثلون التكوينات المختلفة لكن الحكومة لم تعطها تأشيرات الدخول وهذه طبعاً سياسة ثابته لهذه الحكومة التي تسعى لعزل إريتريا عن الخارج. وبسبب منعها من الدخول إلى إريتريا أجرت المجموعة بحثها لإعداد التقرير من الخارج من خلال إجراء مقابلات مع إرتريين ومراقبين لأوضاع إريتريا ومنطقة القرن الأفريقي لفترات طويلة، وبالإضافة إلى مصادر ثانوية. وذكرت المجموعة أنه بسبب المخاوف الأمنية لم تشر لهوية أغلب الذين حاورتهم.

مقدمة التقرير

تشير مقدمة التقرير إلى أن إريتريا دولة صغيرة وحديثة الميلاد وتسير بشكل متزايد نحو التفكك. ويبحث التقرير في مؤشرات التبرم الداخلي التي صارت مزمنة بما في ذلك ما جرى، لفترة قصيرة، في فورتو ونزعات الهجرات الجماعية المستمرة منذ فترة طويلة باتباع طرق مكلفة وخطرة. تظهر

الآن في إريتريا الانقسامات الاجتماعية، الدينية، العرقية- الإقليمية والتي كانت سنوات وثقافة النضال التحرري قد قللت منها وقمعتها 21 عاماً من بناء الأمة بالقوة. بعد حادثة فورتو اعتقلت الحكومة وزارء عُرفوا سابقاً بولائهم القوي للنظام، مسؤولين حزبيين وضباط في الجيش وكل هؤلاء تقريباً من المسلمين.

لقد أدى الإصرار على صياغة أمة قوية معبئة تحت حزب رئاسي واحد إلى تضييق قاعدة القيادة أكثر من أي وقت مضى. وهنا يمكن أن نقرأ اعتقال قيادات في الحكومة والحزب الحاكم يدينون كلهم تقريباً كما يشير التقرير - بالإسلام - كنموذج لتضييق قاعدة القيادة؛ حيث صار عدد المسلمين فيها أقل وتراجعت قاعدة الحزب الحاكم على أساس الدين والإقليم.

لقد تم قمع المطالب العلنية بالإصلاح التي قدمتها مجموعة الـــ 15 بسجن المجموعة ومن ذلك الوقت كان يتم التلميح بالإصلاح لكن لم يتم تحويله إلى واقع ويبدو أن ذلك كان يُمنع من قبل مكتب الرئيس.

يبحث التقرير في كيف أن رغبة الرئيس في الاحتفاظ بالسلطة أفرغت النقاش السياسي من أي مضمون، تاركة فراغاً خطيراً وحيث قد تكون أفكار وقيادة ذات قاعدة عريضة قد تطورت.

ويبحث التقرير في إمكانية أن يكون الجيش - المؤسسة الوحيدة التي تمتلك بعض القوة- قوة للتغيير الحقيقي، وماذا يُتوقع من المعارضة الهرمة والعنيدة والتي تستضيفها الدول المجاورة - لحد كبير- خدمة لمصالحها الخاصة، وما هو تأثير اللاعبين الدوليين لا سيما إثيوبيا، السودان وجيبوتي والعقوبات المفروضة على إريتريا من قبل مجلس الأمن الدولي في 2009 و2011 على البلاد وعملية التغيير.

هل هي بداية نهاية الرئيس أسياس أفورقي؟

تحت هذا العنوان يتناول التقرير المصاعب التي يواجهها نظام أسياس بما في ذلك الانشقاقات؛ خصوصاً بين الدائرة المقربة من الرئيس مثل وزير الإعلام علي عبده أحمد، تجميد جنرالات مقربين من الرئيس والضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. ما يحدث داخل النظام ليس واضحاً تماماً، إلا أن أسياس يتقدم في العمر وتتدهور صحته بشكل سريع، هناك تقارير بأنه يفرط في الشراب مما يفاقم في تدهور وضعه الصحي. وهناك مزاعم بأن سلطته آخذة في التراجع بصورة بطيئة ولكن بشكل ثابت. وأخذت منظومة القيادة، التي أحاط بها نفسه بدعم من الجيش، تضعف حيث أن بعض ضباط الجيش، الذين ساعدوا في بناء وتعزيز النظام القمعي يفقدون الثقة في الرئيس أو فقدوها بالفعل. من جانبه صار أسياس يبدو كأنه يشك في الجميع، ويتحول بصورة مفاجئة ضد رفاقه السابقين ويعزلهم عن مناصبهم ويجمد آخرين ويقوم بترقية منافسيهم .

يظهر هذا التحليل مدى تفكك سلطة الرئيس من خلال ظروفه الصحية- تشير منشورات وزعت داخل أسمرا في ديسمبر الماضي إلى أن الديكتاتور مصاب بسرطان الكبد_ وخسارته لثقة ودعم المقربين منه الذين ساعدوه في بناء هذه السلطة القمعية وتعزيز سيطرته عليها تشير إلى تراجع قدرته على إمساك بكل خيوط السلطة كما كان عليه الأمر في الماضي القريب.

حادثة فورتو

ورد في الهامش أن بعض وسائل الإعلام ذكرت أن قائد المحاولة الإنقلابية قد يكون العميد فليبوس ولدي يوهنس قائد منطقة أسمرا الذي يقال أن أسياس أقاله من منصبه في نوفمبر 2012 خوفاً من أن يكون قد بنى قاعدة تمكنه من منافسة الرئيس على منصبه. وهذا يعزز الاعتقاد لدى الكثيرين بأن عملية غدر قد تكون أدت لفشل محاولة فورتو.

ويشير التقرير للمظاهرات التي نظمتها الجاليات الإريترية في الغرب والدور الذي لعبته لنقل ما يجري في إريتريا للعالم الخارجي. يقول التقرير أن المتظاهرين عبروا عن دعهم لحركة الجيش وذهبوا أبعد من مطالب الجنود المتمردين فدعوا لإنهاء حكم الرئيس أسياس. وهذا دليل على أن جهود الجاليات أسهمت في لفت انتباه العالم الخارجي لما يجري في إريتريا وعلى جدوى هذا النوع من النشاطات.

ويشير التقرير للغارات الإثيوبية في مايو الماضي ويقول أن قوات الدفاع الإريترية لم تبد مقاومة تذكر وقد كانت بمثابة صدمة لقيادات الجيش التي ألقت باللائمة على القيادة السياسية. وهذه أيضاً أحد المشكلات الكبيرة في بنية النظام، تردي أوضاع الجيش، والذي تسبب في تذمر واسع وسط المؤسسة العسكرية وتظهر هذه المشكلة كذب ادعاءات النظام القائلة بأنه في حالة حرب مع إثيوبيا بينما أهمل احتياجات الجيش الضرورية التي تمكنها من أداء مهامه في الدفاع عن السيادة الوطنية وهو الجيش المعروف ببسالة جنوده وقدرتهم العالية على التضحية.

ويتناول التقرير فترة الشهر التي اختفى فيها أسياس أفورقي العام الماضي ( من 28 مارس إلى 27 أبريل) ويذكر أن هذه الفترة أظهرت عدم وجود فكرة لدى الحكومة عن المستقبل أو خطة لإحلال خليفة محل أسياس أو آلية لفعل ذلك أو حتى خليفة تمت مباركته. ويفسر التقرير تقليل الحكومة الإريترية من شأن رحيل ملس زيناوي من عدم رغبتها في إثارة جدل حول القيادة والخلافة في إريتريا.

دولة إريتريا:

ورد تحت هذا العنوان أن أسياس هو الشخص المحوري في دولة إريتريا. ويثير حكمه المتجذر المخاوف حول ما سيجري للبلاد والإقليم إذا ما تم خلعه أو أصبح غير قادر على أداء مهام وظيفته. لقد حول أسياس إريتريا إلى دولة استبدادية محاصرة. وهو يحافظ الرئيس على سيطرته على البلاد من خلال جعلها في حالة حرب دائمة، إلغاء المؤسسات، شخصنة كل فروع الدولة، إثارة التنافس وبناء نظام للمحسوبية يعتمد عليه هو شخصياً. وحسب التقرير فإن الجيش هو الاستثناء بين مؤسسات الدولة حيث حافظ على قدر من الاستقلالية ويقال أنه شكك في قدرة أسياس على المحافظة على السيطرة وطالبه أن يفكر في الانتقال عدة مرات في الماضي القريب. ولأن الرئيس رفض فقد صارت تنمو معارضة بموافقة كبار الضباط ولا يعرف، حسب التقرير، إذا ما كانت الحركة الأخيرة المطالبة بالتغيير تمت بدافع من الشعور بالواجب الوطني أم بدافع المصالح الشخصية. هنا تكمن واحدة من أهم المخاطر على مستقبل البلاد عند وصولنا لمرحلة التغيير فليس هناك مؤسسات كما أن الجيش الذي يعد المؤسسة الوحيدة خارج السيطرة التامة للديكتاتور يعاني من مشكلات كبيرة قد لا تساعده على لعب الدور المرجو منه ليس فقط في ضمان حدوث انتقال سلس بل أيضا في المحافظة على استقرار البلاد.

يتناول التقرير العقوبات الدولية ضد إريتريا في عامي 2009 و2011 بسبب دعم النظام لحركة الشباب الصومالية ولقيامه بنشاطات أخرى مزعزعة للاستقرار وترى المجموعة هنا أن العقوبات هدفت لمعاقبة القيادة وعزلها بدلاً من التشجيع على إجراء إصلاحات داخلية ويبدو إنها أوحت بالعكس. وهنا يثير التقرير مسألة مهمة جداً فيما يتعلق بتلك العقوبات فهي تجاهلت المشكلة الرئيسة وهي طبيعة النظام القمعية وتعاملت مع انعكاسات سياسات النظام الديكتاتوري الخارجية وهذا أيضا يؤكد خطأ موقف بعض أطراف المعارضة التي دعت لتطبيق العقوبات وتلك التي رفضتها فهذه العقوبات لم تهتم أصلاً بمعاناة الشعب الإريتري وكان يمكن أن تكون أحد أدوات الضغط على النظام لإجراء إصلاحات داخلية وكان يمكن أيضاً أن تكون مشجعة للذين يطالبون بالإصلاحات داخل النظام.

مؤسسة دولة الرجل الواحد

تحت هذا العنوان يتناول التقرير خلفية الوضع الحالي في الجبهة الشعبية حيث طغت على التنظيم لسنوات مركزة اتخاذ القرار وسحق المعارضين الداخليين. لقد صار أسياس قائداً للجبهة الشعبية من خلال استخدام حيل ماكرة وأساليب القمع الوحشي ضد منافسيه داخل التنظيم وضد حركات التحرر الوطني الأخرى المنافسة له؛ وحيث كانت قيادة الجبهة الشعبية تطالب بولاء مطلق. ويشير التقرير إلى إنشاء حزب الشعب الثوري الإريتري والذي كان أسياس مركزه واُستخدم الحزب كأداة للسيطرة. إن بذور الديكتاتورية الحالية في إريتريا تعود للثقافة السياسية في مرحلة النضال الوطني. هناك قصص كثيرة تؤكد الطابع الوحشي والحيل الماكرة التي استخدمها الديكتاتور لضمان هيمنته من المنكع إلى اغتيال قيادات وكوادر جبهة التحرير الإريترية إلى الغدر بمجموعة الإصلاحيين وممارسات أساليب وحشية وغادرة ضد كل الخصوم.

تُبدد الأحلام

يتناول التقرير تحت هذا العنوان تبدد وعود الجبهة الشعبية ويشير للأهداف الستة التي وضعها الميثاق الوطني في مؤتمر الجبهة الثالث في 1994 وهي : الوئام الوطني، الديمقراطية السياسية، التنمية الاقتصادية والاجتماعية، العدالة الاجتماعية، النهضة الثقافية والتعاون الإقليمي.

ما فعلته الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة هو العكس تماماً فقد مزقت النسيج الوطني، عززت سلطة الفرد، أفقرت البلاد وبددت مواردها، زادت المظالم الاجتماعية، أفضت سياساتها لتردي الأوضاع الثقافية ودخلت في حروب مع كل الجيران واصدمت مع المجتمع الدولي حتى صارت إريتريا دولة معزولة. ولم يستفد من ثمار التحرير سوى أولئك أبدوا ولاءاً تاماً لأسياس، ولم يبق في دائرة الرئيس الآن سوى قلة من القادة التاريخيين لمرحلة النضال الوطني. ويشير التقرير للأساليب التي اتبعها أسياس للسيطرة مثل تعيين وزراء ظل، يرفعون تقاريرهم مباشرة له وكان يعينهم من بين الأشخاص الذين يسهل عليه التلاعب بهم. ويذكر التقرير أن الحرب مع إثيوبيا 1988/2000 لم تعط أسياس السبب القوي لتأجيل التحول الديمقراطي وفقط بل أيضاً لتبرير مزيد من مركزة السلطة في يديه. 

عرض وتحليل

 
11-04-2013
Print this page.
http://www.al-massar.com