أهمية العلم الشرعي وكيفية الوصول إليه

أهمية العلم الشرعي وكيفية الوصول إليه

بقلم: عبد الرحمن أحمد

أَبْدَأُ بِاسْمِ اللَّهِ مُسْتَعِينَا .. رَاضٍ بِهِ مُدَبِّرًا مُعِينَا ..وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا هَدَانَا ... إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَاجْتَبَانَا ..أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهْ ... وَمِنْ مَسَاوِي عَمَلِي أَسْتَغْفِرُهْ..وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى نَيْلِ الرِّضَا ... وَأَنَّ خَيْرَ خَلْقِهِ مُحَمَّدَا .. مَنْ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى .ـ رَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ .. بِالنُّورِ وَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ..صَلَّى عَلَيهِ رَبُّنَا وَمَجَّدَا ... وَالآلِ وَالصَّحْبِ دَوَامًا سَرْمَدَا .وبعد:

إن العلمَ هو الحياةُ، والله – جل وعلا - خلق الإنسان لعبادته، وأمره بتوحيدِه وطاعتِه، ولا يتحقَّقُ العملُ الذي يُرْضِي اللهَ - سبحانه وتعالى- ويُنْجِي العبدَ في الدنيا والآخرةِ إلا بتعلُّم العلم النافع؛ لأن العملَ بدون علمٍ ضلالٌ. 

فإذن الجنة لا تُدْخَل إلا بعمل، ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32]،  فالعمَلُ الذي يُوَصِّل إلى الجنة لا بد أن يكون مُؤسَّسًا على علم شرعي من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.

ولا يقوم بهذا العلم ويعلمه للناس إلا العلماء، المستقيمون على طاعة الله، هم الذين يبينون للناس ويعلمونهم أمور دينهم ودنياهم، فالعلم لا يؤخذ عن الكتب والقراءة، ولا يؤخذ عن الجهال والمتعالمين، ولا يؤخذ عن علماء الضلال والبدعة، وإنما يؤخذ العلم عن العلماء الربانيين، قول الله – جل وعلا-: ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ آل عمران: 79،

والعلم لا يحصل بدون تعب، وبدون طلب، بل لا بد من طلب العلم، أينما وجد، ولا بد من التعب في تحصيله، وهو في سبيل الله - عز وجل -، قال - صلى الله عليه وسلم -: « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ » ، فالعلم النافع هو الطريق إلى الجنة، وهذا العلم النافع إنما هو في كتاب الله وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يؤخذ إلا عن أهله المعروفين به ، الذي تلقوه عمن قبلهم ، وألقوه على من بعدهم ، وتوارثه المسلمون ، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: فـ ( إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ).

فالعلم لا يشبع منه، ولهذا قال الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، ولم يأمره بالزيادة من شيء إلا من العلم ، وهو ميراث الأنبياء والمرسلين ، وحَمَلَتُه هم ورثة الأنبياء والمرسلين، ويُتَلَقَّى العلمُ عنهم؛ ولذلك بحصول العلم الشرعي فإنه يحصل الخير الكثير، لمن وفَّقه الله - سبحانه وتعالى- ، والعلم ليس له حدٌّ يُنْتَهى إليه، وإنما كل يأخذ منه على قدر ما وفقه الله وأراده الله له، وإلا فالله جل وعلا يقول: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا ﴾[الإسراء: 85]،

ولكن هذا القليلَ إذا كان عِلْمًا صحيحًا فهو مبارك ونافع، فليست العبرة بكثرة العلم، ولكنَّ العبرةَ بنوعية العلم، والعبرةَ بالعمل بهذا العلم، « مَنْ عَمِلَ بما عَلِم أورَثَه الله عِلْمَ ما لَمْ يَعْلَم » ، كما في الأثر، فإن العلمَ ينمو ويَزْداد مع العمل ، ويرحل مع ترك العمل. وكل الناس بحاجة إلى العلم، وكلُّ المسلمين كذلك، أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب والهواء؛ لأن العلمَ تَحْيَا به القلوب، وتستنير به البصائر، ويدُلّ على الله، وعلى جنتِه، فهو ألْزَمُ من الطعام والشراب والهواء؛ لأنَّ هذه كلَّها مغذيةٌ للأبدان، وأما العلمُ فهو مُغَذٍّ للقلب والبصيرةِ، وإذا تعلَّم الْعِلْمَ النَّافِع وعمل به فإنما يُغَذِّي قلبَه، بما يؤهله لعبادة الله وحده لا شريك له، فلا بُدَّ من تعلُّمِ الْعِلْم .

العلـم على نوعـين:

أولا: علم يحتاج إليه كل مسلم، ولا يستغني عنه مسلم، وهو تعلُّم أحكام عقيدته وأحكام صلاته، وأحكام زكاته، وأحكام صيامه، وأحكام حَجِّه وعمرته ، والعبادات الأخرى ، فلا بد من العلم الشرعيِّ؛ لأنَّ الله -عز وجل- أنْزَل هذا العلمَ لِيَكُون حَكَمًا بين الناس فيما يختلفون فيه، ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 213]، ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، والرّدُّ إلى الله هو الرَّدُّ إلى كتابِ الله، والرَّدُّ إلى الرسولِ هو الرَّدُّ إلى سنةِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم-، ولا يَعْلَمُ الكتابَ والسنةَ إلا العلماءُ، هم الذين يعرفون الأحكامَ الشرعيَّةَ من الأدلةِ التفصيليةِ مِن كتاب الله وسنةِ رسولِهِ - صلى الله عليه وسلم-.

والله أخَذ الميثاق على العلماء أن يبينوا للناس ولا يكتمونه ، ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَه ﴾ [آل عمران: 187] ، فهذا ميثاقٌ أخَذَهُ اللهُ على العلماءِ لِيبَيِّنوا للناس.

وهذا النوع يجب على كل مسلم ومسلمة، على كل حر وعبد، وعلى كل صغير وكبير، فيتعلموا هذا الحد من العلم . كما أوجب على العوام والجهال أن يتعلموا ولا يبقوا في جهلهم.

أما النوع الثاني: فهو ما يحتاجه الناس عمومًا، وقد لا يحتاجه كل أحد، وإنما يحتاجونه عمومًا، مثل تعلم أحكام المعاملات، وأحكام الأنكحة، وأحكام الأطعمة والأشربة، وأحكام الأقضية والخصومات، وأحكام الآداب الشرعية العامة، فهذه قد لا يتيسر لكثير من الناس أن يتعلموها، ولكن إذا تعلمها من المسلمين من يقوم بحاجة الناس فإنه يكفي، وهذا يسمى بفرض الكفاية، إذا قام به من يكفي من الناس فإنه يبقى في حق البقية سنة، من أفضل السنن.

والله - جل وعلا- قال: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾ [التوبة: 122]، يعني كلهم يروحون لطلب العلم الذي هو النوع الثاني، فهذا لا يتيسَّر لكل الناس، ﴿ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَة ﴾ [التوبة: 122]، أي من كل مجتمع يذهب منه أفراد من شبابهم ومن أذكيائهم يتلقون هذا العلم ، فإذا تيسر ذلك لا يجوز تركه، ويجب على ولاة الأمور أن يفتحوا له المؤسسات العلميةَ، ويُعينوا لهم مدرسين، ثم من كان عنده استعداد يلتحق في طلب هذا العلم. ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون ﴾ [التوبة: 122].

كانت القبائل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- يسلمون، ثم يذهب منهم من شبابهم وأفرادهم إلى المدينة ليصلوا معه، ويتعلموا منه صلاته، ويستمعوا إلى دروسه ومواعظه وتعليمه، ثم إذا لبثوا مدة كافية رجعوا إلى قومهم بما حصلوا من العلم فنشروه في قومهم.

فهذا هو سبيل المسلمين من عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم-، ولا بد من العلم بنوعيه، فرض العين، وفرض الكفاية، فإذا تركته الأمة هلكت، وضاعت، ولكن – والحمد لله- لا يزال هذا الخير موجودا، ولما ضعفت العناية بدروس العلم في المساجد والحلقات التي كانت متوفرة فيما سبق يسر الله هذه المدارس الإسلامية والمعاهد العلمية والكليات الشرعية، فيسر الله وجودها للمسلمين، فالتحق بها شباب المسلمين، وسدوا حاجة المسلمين.

ثم ما يحصل في الكثير من الدورات والحلقات العلمية، فيه خير كثير – ولله الحمد والمنة-، وهذا فيه إقامة الحجة على العباد، وهو من معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم-، لأن الله بعثه للناس كافة، للعرب والعجم، والجن والإنس، بشيرا ونذيرا، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34]، ثم توفاه الله -عز وجل-، وخلفه من بعده صحابته الكرام الذين قاموا بهذا العلم وهذا الجهاد في سبيل الله، حتى نشروا العلم ونشروا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ثم جاء جيل التابعين من بعد الصحابة، ثم جاء جيل أتباع التابعين، والقرون المفضلة، ثم توالى الخير في الأمة ولله الحمد.

ولما كثر الشر والفتن، فإن الله - سبحانه وتعالى- تكفل بأن يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها ، فبعث الله المجددين من الأئمة، والدعاة إلى الله، فقاموا بالدعوة إلى الله والتعليم، فنفع الله بهم، وخذ على سبيل المثال أرض الحرمين، كانت في الأول مثل البلاد الأخرى فيها مسلمون، لكن فيها جهل، وفيها عقائد فاسدة، وفيها شركيات وبدع ، فيسر الله أن بعث لها الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله- فهو من المجددين قام بنشر التوحيد والعقيدة، وتعليم الناس العلم النافع المأخوذ من الكتاب والسنة، فعاداه من عاداه وضايقه من ضايقه، ولكنه صبر واستمر على دعوته، ويسر الله له من ولاة الأمور من آل سعود من ساعده، وحماه من أعدائه وجاهد معه، حتى حصلت هذه النعمة، ولا تزال ولله الحمد، ونسأل الله أن تستمر  في هذه البلاد، بلاد الحرمين، ومهبط الوحي، ومبعث الرسالة، وقبلة المسلمين، يفد إليها المسلمون في الحج والعمرة، من أقطار الأرض، ويستفيدون ويذهبون إلى بلادهم بالعلم والعقيدة الصحيحة ، ويعلمون من خلفهم ، فانتشر هذا الخير.

لقد صارت الكلمة الطيبة تبلغ المشارق والمغارب في لحظة واحدة، وتنتشر هذه المسجَّلات وهذه المطبوعات في كل البلاد، ينتفع بها من شاء الله أن ينتفع، وتقوم الحجة على من لم ينتفع بها ورفضها، فتقوم عليه حجة الله - سبحانه وتعالى-، ﴿ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ﴾ [المائدة: 19]، فبلغ هذا الدين مبلغ الليل والنهار، ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه ﴾ [التوبة: 33]، فظهر دين الله على سائر الأديان، وبلغ المشارق والمغارب، ولا يزال ولله الحمد.

فعلينا أن نهتم بالعلم ونشره ، وأن نعمل به ، وإلا فإنه يكون حجة علينا ، ولهذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله-: « اعلم أن الله أوجب علينا تعلم أربع مسائل، والعمل بهن » ، وهذه المسائل الأربع في سورة العصر، وهي التي يحفظها كل واحد من المسلمين ، الكبير والصغير، البدوي والحضري، كلهم يحفظون سورة العصر، وفيها هذه المسائل الأربع التي إذا تحققت تحققت السعادة، وإذا فقدت أو فقد شيء منها ضاعت السعادة وخسر الإنسان، فيقول تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ  إِنَّ الإْنسَانَ لَفِي خُسْر ﴾ [العصر: 1، 2] أي كل إنسان، من الملوك، والتجار، والعلماء، والذكور والإناث، والأحرار والعبيد، فكل إنسان هو خاسر إلا من اتصف بأربع مسائل، ﴿ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3].

فالمسألة الأولى هي : الإيمان، والإيمان لا يتحقق إلا بالعلم، والعلم لا يتحقق إلا بتعلمه.

والمسالة الثانية هي : العمل الصالح ، فلا يكفي العلم، بل لا بد من العمل، ولم يقل عملوا فقط، بل قال عملوا الصالحات، فلا بد أن يكون العمل صالحا، لأن أكثر الأعمال فاسدة، فإذا لم تكن على كتاب الله وسنة رسوله، فهي فاسدة، وتعب بلا فائدة.

والمسألة الثالثة هي : التواصي بالحق، فلا يكفي الإيمان وعمل الصالحات وحده، بل لا بد أن يتواصوا بالحق، فلا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا بد أن يعلموا الناس العلم النافع، فهذا من التواصي بالحق، ولا يكفي أن تصلح نفسك وتترك الناس بدون أن تعلمهم، وأن تبلغهم، وأن تنذرهم، لا بد أن تصلح نفسك ثم تسعى في إصلاح غيرك.

والمسألة الرابعة هي : التواصي بالصبر، لأن الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق لا بد فيها كلها من المشقة، ولا بد أن ينالك من الناس ما ينالك من الأذى، فعليك بالصبر، والصبر معناه حبس النفس عن الجزع ، وحبسها عن الكسل؛ فإن بعض الناس ينشط في تعليم العلم والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم إذا تعرض لأي مشقة أو لأي اعتراض أو لأي مجادل بالباطل توقف عن الدعوة وانقطع عنها ، بل لا بد من الصبر، ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾ [لقمان: 17]، وقال تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3]،  ويقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-: «الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد»، فالجسد لو كان متعافيا متكاملا وضخما، إذا أزيل رأسه فإنه لا تبقى فيه حياة ، وكذلك الدين الذي ليس معه صبر لا يثبت بل يزول.

والعمل لا يكون صالحا إلا إذا توفر فيه شرطان:

الشرط الأول: الإخلاص لله -عز وجل.

الشرط الثاني: المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم-.

قال تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ [البقرة: 112]، فالإسلام هذا هو الشرط الأول، وهو الإخلاص، والإحسان هو اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم-، ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ﴾ [التوبة: 100]، أي اتبعوهم بإتقان .

واجبـات طـالب العلــم:

إن المسؤولية عظيمة، والواجب كبير، ومما يجب على طالب العلم: الورع، والتقوى، والعمل بالعلم، والحرص على نشر العلم وتبليغه ـ مع الحذر من الفتوى بغير علم ـ، والدعوة إلى الله على بصيرة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقدوة الصالحة، والاستمرار في طلب العلم حتى الممات، والجرأة في الحق، والوعي الكامل الشامل بواقع الأمة، ومعرفة سبيل المجرمين.

إن الانخراط في سلك العلم الشرعي يعني أن صاحبه وقف نفسه لله، ونذر وقته لخالقه، يتعلم ليعمل ويعلِّم ويدعو ويصلح، وإذا لم يقم طالب العلم بواجبه فمن سيقوم به؟!، ويكفي أن نعلم أنه لو قام عدد كاف من طلاب العلم بواجبهم لما كانت الأمة بهذا المستوى، فإلى الله المشتكى.

اقتضاء العلـم العمل:

وهو بيت القصيد، والذي يجب التركيز عليه والاهتمام به ؛ وذلك لما نرى من كثرة المتعلمين وقلة العاملين، ولما نشاهد من إعجاب كثير من طلاب العلم بألقابهم ونسيانهم لرسالتهم في أمتهم ومجتمعاتهم ؛ حيث لم يدركوا خطورة إهمالهم لأمر الله (تعالى) ورسوله - صلى الله عليه وسلم-، وأيضاً: لما نلحظ من القصور الواضح في مناهج التعليم، وبخاصـة الفصـل الواضـح بين العلـم والعمـل، والأمة إنما تحتاج ـ في الحقيقة ـ إلى العلماء المؤثرين العاملين، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.

إن العلم لا قيمة له بدون العمل، ولذا: تكاثرت النصوص في الكتاب والسنة ـ وكذا أقوال السلف ـ مؤكدة وجوب ربط العلم بالعمل، ومحذرة من الفصل بينهما: كم نقرأ في كل يوم قول الله (تعالى): ((غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)) [الفاتحة: 7]، قال العلماء: المغضوب عليهم: هم الذين لم يعملوا بعلمهم، ويدخل فيهم اليهود بهذا الوصف، والضالون: هم الذين يعملون على جهل وضلال، ومنهم النصارى، فهل فهمنا المقصود؟!.

وقال (تعالى): (( أَتاًمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُون َ)) [البقرة: 44]، وقال: ( لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس)... وذكر منها: (.. وماذا عمل فيما علم) (6)، وكان - صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من علم لا ينفع (7).

وقال أبو هريرة: (مثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه في سبيل الله)، وقال عمر: ( لا يغرركم من قرأ القرآن، ولكن انظروا من يعمل به) ، وقال سهيل بن عبد الله: (الدنيا جهل وموات ، إلا العلم، والعلم كله حجة، إلا العمل به، والعمل كله هباء إلا الإخلاص، والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به).

من آفــات طـالب العلـم:

وهي آفات مهلكة، أو مضيعة للعلم، أو مسببة لعدم الانتفاع به، ومنها:

1- المعاصي، وهي آفة الآفات؛ لأن العلم هو ما ورث الخشية، قال (تعالى): ((إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ)) [فاطر: 28]، والمعاصي تناقض الخشية.

2- الكبر والغرور، وهو من أسرع الآفات إلى طلبة العلم، والمتعلمين.

3- المراءاة والمخاصمة والجدل.

4- كتم العلم، وهو يؤدي إلى نسيانه وذهابه، وكذا: عدم التورع في إطلاق الفتوى، والقول بلا علم.

5- الانشغال بالدنيا، وكثرة الفضول.

6- المداهنة في دين الله، والسكوت عن إظهار الحق، وعلى إنكار الباطل.

7- النسيان، ويكون علاجه: بالمذاكرة، وبذل العلم، وتــرك أسـباب ذهابه.

 

 
18-04-2016
Print this page.
http://www.al-massar.com