سلام القرن الإفريقي الجاري

 سلام القرن الإفريقي الجاري

هل هو لمصلحة شعوب المنطقة ؟ أم لضبط الموازين والمعادلات الدولية ؟!

بقلم: عبد القادر حامد

تابعنا باهتمام شديد منذ شهر يوليو الماضي مبادرة السلام التي أطلقها  رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد لإنهاء حالة الحرب مع إرتريا مؤكدا التزامه باتفاقية الجزائر 2000 الموقعة بين إثيوبيا وإرتريا  لإنهاء الحرب التي نشبت بينهما من عام 1998 حتى 2000م ،  ومؤكدا التزامه بنتائج مفوضية ترسيم الحدود  ، دون إبداء أية شروط ، كما تابعنا ترحيب النظام الإرتري وتجاوبه معها ، وما تلى ذلك من توقيع اتفاقات وتبادل زيارات وفتح المعابر الحدودية والتبادل التجاري في سرعة غريبة وغير متوقعة.

وباستصحاب تعقيدات المشكلة وعمق الخلافات القائمة بين البلدين ، فإن الأمر يثير الكثير من الشكوك في مصداقية هذا السلام وبنائه على أسس صحيحة تضمن نجاحه واستمراريته .

وبقدر ما استبشر الشعبين بهذا السلام الذي كان انفراجا لمعاناته التي فرضتها ظروف الحرب ، بقدر ذلك صاحب الذهول لهذا السلام الدراماتيكي الذي استوعب عددا من الدول في منطقة القرن الإفريقي لتنضم إليه الصومال وجيبوتي ، كما استوعب في تحرك آخر مواز في جنوب السودان بإنهاء الصراع الدامي والمعقد ، الذي استمر خمس سنوات من الحرب الأهلية بين الرئيس سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار ، وفشلت جميع المبادرات التي طرحتها منظمة إيقاد والدول الأفريقية المنخرطة فيها.

تهاوت كل هذه المشاكل المعقدة والعميقة  أو تم تجاوزها بدون نقاش أو حوارات حقيقية بسهولة لم تخطر على بال أحد ، ليوحي الأمر بأن هناك إرادة خارجية أملت على كل هذه الأطراف  بأن تنتظم في هذا السلام على وجه السرعة ودون تعقيدات ، وهذا ما لاحظناه من ظهور عدد من دول المنطقة  ( السعودية والإمارات ) برعايتها واهتمامها بهذه الاتفاقات ، والسودان في رعايته لسلام جنوب السودان ، ومن وراء ذلك دول كبرى لم تشأ أن تظهر في مشهد السلام لكنها هي الموجه الحقيقي لهذا الحدث الذي سيكون نقطة تحول مهمة للكثير من الأحداث في شرق إفريقيا ، ومرجح أن ينقلها إذا نجح من منطقة عُرفت بكثرة نزاعاتها وحروبها إلى منطقة نأمل أن تصبح مركزا للتعاون والتنمية والاستقرار .

يبدو هذا الاتجاه ليس وليد صدفة سياسية ، أو رغبة ذاتية في السلام يجمع بين دولتين أو دول القرن الإفريقي ، بل جاء من رحم تزايد التعقيدات في العلاقات الدولية والتفكير في المزيد من ضبط الموازين والمعادلات.

ووصف أحد المحللين السلام الجاري بأنه لعبة الجغرافيا السياسية ، التي منحت القرن الإفريقي مزايا استراتيجية يصعب أن تستغني عنها كل دولة تريد تأمين مصالحها في البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي ، وهو ما أوجد صراعا خفيا على النفوذ في هذه المنطقة ، التي تحولت إلى صمام أمان للبعض وعنصر قلق وتوتر لآخرين .

والله الموفق

والهادي إلى سواء السبيل ...

 

 
05-10-2018
Print this page.
http://www.al-massar.com